اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لسنة 1959م

[color=blue][size=24]اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لسنة 1959م

واقع ماقبل الاتفاقية

1. فى العام 1950م استنفد السودان حصته من مياه النيل البالغ قدرها 4مليار متر مكعب حسب اتفاقية 1929م بينما كانت مصر تتمتع بـ 48مليار متر مكعب ، اما ماتبقى من ايراد النيل ويقدر بـ 32مليار متر مكعب سنويا فهو يجد طريقه الى البحر الابيض المتوسط .

2. تنص اتفاقية 1929م التى توجب موافقة مصر على اى انشاءات على مجرى النهر ، ولهذا الغرض عقد اجتماع تمهيدى ضم مسئولى الرى فى البلدين وذلك فى 5 ابريل 1954م بالخرطوم حيث نوقش فى هذا الاجتماع تعديلات اتفاقية 1929م التى تستوجبها حاجة السودان المتزايدة للمياه .

3. عقد هذا الاجتماع بعثت حكومة السودان برسالة للحكومة المصرية جاء فيها ان حكومة السودان ترغب فى المضى فى تنفيذ امتداد مشروع المناقل وانها لتوفير الماء اللازم لذلك تقترح تشييد خزان الروصيرص لحجز 7مليار متر مكعب ، وذهبت المذكرة انه لاستغلال هذه المياه تنفيذ امتداد المشروع يستوجب تعديل اتفاق 1929م واختتمت الرسالة باقتراح عقد اجتماع خبراء من الجانبين .
اهم النقاط التى طرحت من الطرفين فى هذا الاجتماع

4. علقت مصر موافقتها على انشاء خزان الروصيرص بموافقة السودان على انشاء السد العالى .

5. رفض السودان الربط بين المشروعين باعتبار ان لا علاقة بينهما من حيث الحجم اذ ان السد العالى مقرر له تخزين 130مليار متر مكعب بينما يسع خزان الروصيرص 3مليار متر مكعب .

6. يرى السودان ان السد العلى بشكله المقترح لايمثل افضل وسيلة لتنمية وادى النيل كوحدة هيدرولوجية ، اقترح السودان بديلا لذلك انشاء عدة سدود صغيرة والاستفادة من البحيرات الاستوائية فى التخزين ، ونقل كمية المياه المخزونة شمال الخرطوم حيث ان فاقد التبخر فى النيل شمال الخرطوم يعد اكبر المعدلات فى العالم .

7. وقد طرح السودان ثلاثة شروط لموافقتة على انشاء السد العالى وهى :
أ‌. تحديد نصيب السودان من ايراد النهر الطبيعى محسوبا عند اسوان قبل ان يبدا العمل فى السد العالى .
ب‌. ان يكون للسودان الحق فى اقامة منشات على النيل لاستغلال نصيبه من المياه كخزان الروصيرص مثلا .
ت‌. ان يعوض سكان منطقة وادى حلفا التى ستغمرها مياه السد التعويض الكافى .

8. فى اكتوبر 1955م طلب السودان من مصر الموافقة على تزويده بـ400مليون متر مكعب من المياه مشيرا الى ان السودان على وشك الانتهاء من تجهيزات بناء خزان الروصيرص ولكن مصر لم توافق على هذا الطلب بحجة ان تزويد السودان بهذه الكمية يعد خروجا على اتفاقية 1929م بشرط موافقة السودان على انشاء السد العالى .
مفاوضات اتفاقية 1959م .

9. بدأت المفاوضات الأساسية للوصول إلى اتفاقية للانتفاع الكامل بمياه النيل بين مصر والسودان في سبتمبر 1959م وحتى ديسمبر من نفس العام وقد كان الخلاف بين الجانبين يدور حول المعايير التي يجب الاعتماد عليها لتوزيع مياه النيل وقد تقدم الجانب المصري بالمعايير التالية:
أ‌. ضرورة الأخذ بالاحتياجات القائمة فعلا.
ب‌. ركز المصريون على أن السودان أمامه فرص كبيرة لتنمية الزراعة المطرية.
ج‌. إن مصر تعتمد بالكامل على مياه النيل للري، وان النيل هو المصدر الوحيد للمياه المصرية.
د. أن يؤخذ معيار عدد السكان في الاعتبار عند التوزيع.

10. تطرق الجانب السوداني إلى عدم عدالة اتفاقية 1929م بإشارتهم إلى رفض المندوب الامريكى في اللجنة الثلاثية وقتئذ لتوزيع المياه. والى عدم قبولهم بالزراعة المطرية بتقنيتها المختلفة وتأثرها بتقلبات المناخ ومردودها الاقتصادي الضعيف ووضعوا رقم 5.5مليون فدان لتحويلها إلى الزراعة المروية.

11. اقتراح السودان لتقسيم مياه النيل كما يلي:
أ‌. على أساس الأرض الجديدة السهلة الري ، على أساس المقنات المائية للفدان .
ب‌. على اساس السكان .
ج. على اساس راى المستر كورى عضو اللجنة الدولية المحايدة سنة 1920م والذى يقضى بالاعتراف بالحق المكتسب فى سنة 1920م لكل من مصر والسودان ويقسم الفائض بالتساوي.
د. على أساس أن يعترف لكل من مصر والسودان بالحق المكتسب والحالي، وان يقسم الفائض بنسبة مقبولة وعادلة بين البلدين.

12. أخيرا وافق الطرف المصري على طرح الجانب السوداني بإعطاء السودان 14.5مليار متر مكعب وإعطاء مصر 7.5مليار متر مكعب لتصبح حقوق مصر والسودان المكتسبة لاتفاقية سنة 1959م على النحو التالي:
مليار متر مكعب في السنة
الدولة الحقوق المكتسبة الحصة الإضافية من السد العالى الاجمالى
مصر 48 7.5 55.5
السودان 4 14.5 18.5
العوامل التى دفعت مصر والسودان فى اتجاه اتفاق 1959م

13. على الرغم من صعوبات مورست على طرفى الاتفاق قبل وأثناء وبعد التوقيع على اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لسنة 1959م إلا أن هنالك وبالمقابل عوامل دفع أخرى كانت تضغط في اتجاه الإسراع بتكملة الاتفاق ومن هذه العوامل:

أ‌. حاجة الدولتين الفعلية لزيادة إيراد نهر النيل لمواجهة احتياجاتهما من المياه بهدف التوسع الزراعي والاستفادة من المياه التي كانت تجد طريقها إلى البحر.

ب‌. دفعت الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلدين في ذلك الوقت إلى التعجيل بتوقيع الاتفاق فالسودان كان قد خرج من انقلاب 17/نوفمبر 1958م بقيادة الفريق عبود الذي لم يتأكد بعد ولاء فعاليات المجتمع السوداني له بعد سلسلة من الأحكام العرفية، وهو يسابق الوقت لتحقيق بعض الانتصارات والمكاسب السياسية يدعم بها حكمه في الداخل لاسيما في إطار سياسته المعلنة لإزالة وصفة (( بالجفوة المفتعلة مع مصر )).

ج. من الناحية الاقتصادية كان السودان يعانى من صعوبات مالية جمة تعوق تنفيذ خطته الاقتصادية والزراعية خاصة ما يتعلق بخزان الروصيرص الذى علق البنك الدولى تمويله على شروط توقيع اتفاقية مياه النيل مع مصر ، والذى يستحيل بدونه التوسع فى مشروع الجزيرة وقناة المناقل ، كذلك يمكن ان نضيف ان المفاوض السودانى اراد بهذا الاتفاق ان يرفع حصة السودان بالنسبة لمصر وفق اتفاقية1929م وهذا ماتم فى اتفاق سنة 1959م اذ ارتفعت حصة السودان بالنسبة لمصر 3:1 بدلا عن 12:1 حسب اتفاقية 1929م .

14. اما جمهورية مصر العربية فقد ارادت بهذا الاتفاق تحسين اوضاعها السياسية والمائية فى المنطقة بمضاعفة حصتها من ناحية ، وضمان وقوف السودان الى جانبها مستقبلا امام الضغوط التى تتعرض لها من بقية دول الحوض وهذا ما نص عليه الاتفاق .
احتمال اتصال جنوب السودان واتفاقية تقسيم المياه لسنة 1959م

15. لم يكن احتمالا كهذا يمكن ان يخطر على بال احد المفاوضين ، ان كان امر فصل جنوب السودان وضمه الى دول حوض النيل الاعلى او جعله دولة مستقلة من الامور التى كانت حاضرة قبل تاريخ توقيع اتفاقية تقسيم مياه النيل بين مصر والسودان لسنة 1959م بل قبل ان ينعم السودان باستقلاله .

16. الجنوبيون فى مؤتمر جوبا لسنة 1947م قد قطعوا قول كل خطيب باختيارهم الوجدة مع الشمال اما الان فقد وقعت حكومة جنوب السودان مع الحركة الشعبية S.P.L.A اتفاقا شاملا للسلام فى السودان فى يناير 2005م نص على اعطاء الجنوب حق تقرير المصير ، فاننا نجسد انفسنا امام احتمال دولة مستقلة فى جنوب السودان .

17. وعطفا على اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لسنة 1959م نطرح هذا السؤال ماهو الامر المترتب على قيام دولة جديدة فى حوض النيل اذا ماكانت نتيجة الاستفتاء المتفق عليه بين حكومه السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان هى الانفصال ؟

18. فان تخيلنا ان قيام دولة فى جنوب السودان لن يؤثر من حيث المبدأ على اتفاق سنة 1959م على أساس ان الاتفاق انشأ نظاما إقليميا يستوعب أكثر من طرفين حسب المادة 12من اتفاقية فيينا بخلاف الدول فى المعاهدات لسنة 1978م .

19. ستكسب الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه مياه النيل نقطة جديدة فى حالة انفصال جنوب السودان ، لاسيما وان سياستها الجديدة هى الضغط على مصر والسودان عبر دول المنابع ودولة الجنوب المأمولة .

» اتفاقية السلام الشامل